فصل: الباب الثاني في أحكام المساقاة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **


 الباب الثاني في أحكام المساقاة

ويجمعها حكمان أحدهما ما يلزم العامل والمالك والثاني في لزومها‏.‏

أما الأول فكل عمل تحتاج إليه الثمار لزيادتها أو صلاح ويتكرر كل سنة فهو على العامل وإنما اعتبرنا التكرار لأن ما يتكرر يبقى أثره بعد فراغ المساقاة وتكليف العامل مثل هذا إجحاف به فما يجب عليه السقي وما يتبعه من إصلاح طريق المال والأجاجين التي يقف فيها الماء وتنقية الآبار والأنهار من الحمأة ونحوها وإدارة الدولاب وفتح رأس الساقية وسدها عند السقي على ما يقتضيه الحال وفي تنقية النهر وجه ضعيف أنها على المالك ووجه أنها على من شرطت عليه منهما فإن لم يذكراها فسد العقد‏.‏

ومنه تقليب الأرض بالمساحي وكرابها في المزارعة قال المتولي وكذا تقويتها بالزبل وذلك بحسب العادة‏.‏

ومنه التلقيح ثم الطلع الذي يلقح به على المالك لأنه عين مال وإنما يكلف العامل العمل‏.‏

ومنها تنحية الحشيش المضر والقضبان المضرة بالشجر‏.‏

ومنه تصريف الجريد والجريد سعف النخل وحاصل ما قالوه في تفسيره شيئان أحدهما قطع ما يضر تركه يابساً وغير يابس والثاني ردها عن وجوه العناقيد وتسوية العناقيد بينها لتصيبها الشمس وليتيسر قطعها عند الإدراك‏.‏

ومنه تعريش شجر العنب حيث جرت العادة به قال المتولي ووضع الحشيش فوق العناقيد صوناً لها عن الشمس عند الحاجة وفي حفظ الثمار وجهان أحدهما على العامل كحفظ مال القراض فإن لم يحفظ بنفسه فعليه مؤنة من يحفظه والثاني على العامل والمالك جميعاً بحسب اشتراكهما في الثمار لأن الذي يجب على العامل ما يتعلق بزيادة الثمر وتنميته ويجري الوجهان في حفظ الثمر عن الطيور والزنابير بأن يجعل كل عنقود في قوصرة فيلزم ذلك على العامل على الأصح عند جريان العادة به وهذه القوصرة على المالك ويلزم العامل جداد الثمرة على الصحيح وبه قطع الأكثرون لأنه من الصلاح وقيل لا لأنه بعد الفراغ ويلزمه تجفيف الثمار على الصحيح إذا طردت العادة أو شرطاه وإذا وجب التجفيف وجب تهيئة موضعه وتسويته ويسمى البيدر والجرين ونقل الثمار إليه وتقليبها في الشمس‏.‏

وأما ما لا يتكرر كل سنة ويقصد به حفظ الأصول فهو من وظيفة المالك وذلك كحفر الآبار والأنهار الجديدة والتي انهارت وبناء الحيطان ونصب الأبواب والدولاب ونحوها وفي ردم الثلم اليسيرة التي تتفق في الجدران ووضع الشوك على رأس الجدار وجهان كتنقية الأنهار والأصح إتباع العرف وأما الآلات التي يتوفر بها العمل كالفأس والمعول والمسحاة والثيران والفدان في المزرعة والثور الذي يدير الدولاب فالصحيح أنها على المالك وقيل هي على من شرطت عليه ولا يجوز السكوت عنها وبه قال أبو إسحاق وأبو الفرج السرخسي وخراج الأرض الخراجية على المالك قطعاً وكذا كل عين تتلف في العمل فعلى المالك قطعاً ثم كل ما وجب على العامل فله استئجار المالك عليه ويجيء فيه وجه ولو شرط على المالك في العقد بطل العقد وكذا ما على المالك لو شرط على العامل بطل العقد ولو فعله العامل بلا إذن لم يستحق شيئاً وإن فعله بإذن المالك استحق الأجرة وجميع ما ذكرناه تفريع على الصحيح في أن تفصيل الأعمال لا يجب في العقد فإن أوجبناه فالمتبع الشرط إلا أنه لا يجوز أن يكون الشرط مغيراً مقتضي العقد‏.‏

الحكم الثاني المساقاة عقد لازم كالإجارة ويملك العامل حصته من الثمرة بالظهور على المذهب وقيل قولان كالقراض والفرق على المذهب أن الربح في القراض وقاية لرأس المال بخلاف الثمر‏.‏

 فصل هروب العامل قبل تمام العمل

إذا هرب العامل قبل تمام العمل نظر إن تبرع المالك بالعمل أو بمؤنة من يعمل بقي استحقاق العامل بحاله وإلا رفع الأمر إلى الحاكم وأثبت عنده المساقاة ليطلبه الحاكم فإن وجده أجبره على العمل وإلا استأجر عليه من يعمل ومن أين يستأجر ينظر إن كان للعامل مال فمنه وإلا فإن كان بعد بدو الصلاح باع نصيب العامل كله أو بعضه بحسب الحاجة للمالك أو غيره واستأجر بثمنه وإن كان قبل بدو الصلاح إما قبل خروج الثمرة أو بعده استقرض عليه من المالك أو غيره أو من بيت المال واستأجر به ثم يقضيه العامل إذا رجع أو يقضى من نصيبه من الثمرة بعد بدو الصلاح أو الإدراك ولو وجد من يستأجره بأجرة مؤجلة استغنى عن الاقتراض وإن فعل المالك بنفسه أو أنفق عليه ليرجع ينظر إن قدر على مراجعة الحاكم أو لم يقدر وقدر على الأشهاد فلم يفعل لم يرجع وإن لم يمكنه الأشهاد ففي رجوعه وجهان أصحهما عند الجمهور لا يرجع لأنه عذر نادر وحكي وجه أنه يرجع وإن تمكن من الأشهاد وهو شاذ وإن أشهد رجع على الأصح للضرورة وقيل لا لئلا يصير حاكماً لنفيه ثم الأشهاد المعتبر أن يشهد على العمل أو الاستئجار وأنه بذل ذلك بشرط الرجوع فأما الأشهاد على العمل أو الاستئجار من غير تعرض للرجوع فهو كترك الأشهاد قال في الشامل وإذا أنفق المالك بإذن الحاكم ليرجع فوجهان وجه المنع أنه متهم في حق نفسه فطريقه أن يسلم المال إلى الحاكم ليأمر غيره بالإنفاق ولو استأجره لباقي العمل فوجهان بناء على ما لو أجر داره ثم استأجرها من المستأجر ومتى تعذر إتمام العمل بالاستقراض وغيره فإن لم تكن الثمرة خرجت فللمالك فسخ العقد على الصحيح للتعذر والضرورة وقال ابن أبي هريرة لا يفسخ لكن يطلب الحاكم من يساقي عن العامل فربما فضل له شيء وإن كانت الثمرة قد خرجت فهي مشتركة بينهما فإن بدا صلاحها بيع نصيب العامل كله أو بعضه بقدر ما يستأجر به عامل وإن لم يبد تعذر بيع نصيبه وحده لأن شرط القطع في المشاع لا يكفي فإما أن يبيع المالك نصيبه معه ليشرط القطع في الجميع وإما أن يشتري المالك نصيبه فيصح على الأصح في أن بيع الثمار قبل بدو صلاح لصاحب الشجرة يكفي عن اشتراط القطع فإن لم يرغب في بيع ولا شراء وقف الأمر حتى يصطلحا وهذا كله تفريع على أنه لا يثبت الفسخ بعد خروج الثمرة وهو الصحيح وقال في المهذب يفسخ وتكون الثمرة بينهما ولا يكاد يفرض للفسخ بعد خروج الثمرة فائدة‏.‏

ويتفرع على ثبوت الفسخ قبل خروج الثمرة نوعان‏.‏

أحدهما إذا فسخ غرم المالك للعامل أجرة مثل ما عمل ولا يقال بتوزيع الثمار على أجرة مثل جميع العمل إذ الثمار ليست موجودة عند العقد حتى يقتضي العقد التوزيع فيها‏.‏

الثاني جاء أجنبي وقال لا تفسخ لأعمل نيابة عن العامل لم يلزم الإجابة لأنه قد لا يأتمنه ولا يرضى بدخوله ملكه لكن لو عمل نيابة بغير علم المالك وحصلت الثمار سلم للعامل نصيبه منها وكان الأجنبي متبرعاً عليه هكذا قالوه ولو قيل وجود المتبرع كوجود مقرض حتى لا يجوز الفسخ لكان قريباً والعجز عن العمل بمرض ونحوه كالهرب‏.‏

 فصل موت مالك الشجر

في أثناء المدة ولو مات مالك الشجر في أثناء المدة لم تنفسخ المساقاة بل يستمر العامل ويأخذ نصيبه وإن مات العامل فإن كانت المساقاة على عينه انفسخت بموته كالأجير المعين وإن كانت على الذمة فوجهان أحدهما تنفسخ لأنه لا يرضي بيده غيره والثاني وهو الصحيح وعليه التفريع لا تنفسخ كالإجارة بل ينظر إن خلف تركة تمم وارثه العمل بأن يستأجر من يعمل وإلا فان أتم العمل بنفسه أو استأجر من ماله من يتم فعلى المالك تمكينه إن كان أميناً مهتدياً إلى أعمال المساقاة ويسلم له المشروط وإن أبى لم يجبر عليه على الصحيح وقيل يجبر لأنه خليفته وهو شاذ لأن منافعه لنفسه وإنما يجبر على أداء ما على المورث من تركته لكن لو خلف تركة وامتنع الوارث من الاستئجار منها استأجر الحاكم وإن لم يخلف تركه لم يستقرض على الميت بخلاف الحي إذا هرب ومهما لم يتم العمل فالقول في ثبوت الفسخ وفي الشركة وفصل الأمر إذا خرجت الثمار كما ذكرناه في الهرب وهذا الذي ذكرناه من أن المساقاة تكون على العين وفي الذمة هو تفريع على جوازها على العين وهو المذهب المقطوع به وتردد فيها بعضهم لما فيها من التضييق‏.‏

فرع نقل المتولي أنه إذا لم تثمر الأشجار أصلا أو تلفت الثمار كلها بجائحة أو غصب فعلى العامل إتمام العمل وإن تضرر به كما أن عامل القراض يكلف التنضيض وإن ظهر خسران ولم ينل إلا التعب وهذا أصح مما ذكره البغوي أنه إذا تلفت الثمار كلها بالجائحة ينفسخ العقد إلا أن يريد بعد تمام العمل وتكامل الثمار قال وإن هلك بعضها فللعامل الخيار بين أن يفسخ العقد ولا شيء له وبين أن يجيز ويتم العمل ويأخذ نصيبه‏.‏

 فصل دعوى المالك على العامل السرقة والخيانة

في الثمر أو السعف لا تقبل حتى يبين قدر ما خان فيه ويحرر الدعوى فإذا حررها وأنكر العامل فالقول قول العامل مع يمينه فإن ثبتت خيانته ببينة أو بإقراره أو بيمين المالك بعد نكوله فقيل قولان أحدهما يستأجر عليه من يعمل عنه والثاني يضم إليه أمين يشرف عليه وقال الجمهور هي على حالين إن أمكن حفظه بضم مشرف قنع به وإلا أزيلت يده بالكلية واستؤجر عليه من يعمل ثم إذا استؤجر عليه فالأجرة في ماله وأما أجرة المشرف فعليه أيضاً على المذهب وبه قطع الجمهور وقال المتولي تبنى على مؤنة الحفظ إن جعلناها على العامل فكذا أجرة المشرف وإن جعلناها عليهما فكذا هنا وقال في الوسيط أجرة المشرف على العامل إن ثبتت خيانته بالبينة أو بإقراره وإلا فعلى المالك وهذا الذي ذكره مشكل وينبغي إذا لم تثبت خيانته أن لا يتمكن المالك من ضم مشرف إليه لما فيه من إبطال استقلاله باليد‏.‏

إذا خرجت الأشجار المساقى عليها مستحقة أخذها المالك مع الثمار إن كانت باقية وإن جففاها ونقصت قيمتها بالتجفيف استحق الأرش أيضاً ويرجع العامل على الغاصب الذي ساقاه بأجرة المثل كما لو استأجر الغاصب من عمل في المغصوب عملا وقيل لا أجرة تخريجاً على قولي الغرور وكما لو تلفت بجائحة والصحيح الأول وإن أتلفها فللمالك الخيار في نصيب العامل بين أن يطالب بضمانه العامل أو الغاصب والقرار على العامل على الصحيح وقيل على الغاصب كما لو أطعمه الطعام المغصوب على قول وأما نصيب الغاصب فللمالك مطالبته به وفي مطالبته العامل به وجهان أصحهما عند الجمهور يطالبه لثبوت يده لم كما يطالب عامل القراض والمودع إذا خرج مستحقاً والثاني لا لأن يده تثبت عليه مقصودة وعلى الوجهين يخرج ما إذا تلف جميع الثمار قبل القسمة بجائحة أو غصب فإن ثبتنا يد العامل عليها فهو مطالب وإلا فلا ولو تلف شيء من الأشجار ففيه الوجهان وإذا قلنا يطالب العامل بنصيب الغاصب ففي رجوعه على الغاصب الخلاف المذكور في رجوع المودع والمذهب القطع بالرجوع‏.‏

 فصل الاختلاف في قدر المشروط للعامل

إذا اختلفا في قدر المشروط للعامل ولا بينة تحالفا كما في القراض وإذا تحالفا وتفاسخا قبل وإن كان لكل منهما بينة فإن قلنا يتساقطان وهو الأظهر فهو كما لو لم يكن لهما بينة فيتحالفان وإن قلنا تستعملان فيقرع بينهما ولا يجيء قولا الوقف والقسمة لأن الاختلاف في العقد وهو لا يقسم ولا يوقف وقيل تجيء القسمة في القدر المختلف فيه فيقسم بينهما نصفين ولو ساقاه شريكان في الحديقة فقال العامل شرطتما لي نصف الثمر وصدقه أحدهما وقال الآخر بل شرطنا الثلث فنصيب المصدق مقسوم بينه وبين العامل وأما نصيب المكذب فيتحالفان فيه ولو شهد المصدق للعامل أو المكذب قبلت شهادته لعدم التهمة ولو اختلفا في قدر الأشجار المعقود عليها أو في رد شيء من المال أو هلاكه فالحكم كما ذكرناه في القراض‏.‏

 فصل إذا بدا صلاح الثمار

فإن وثق المالك بالعامل تركها في يده إلى الإدراك فيقتسمان حينئذ إن جوزناها أو يبيع أحدهما نصيبه للثاني أو يبيعان لثالث وإن لم يثق به وأراد تضمينه التمر أو الزبيب بني على أن الخرص عبرة أو تضمين فان قلنا عبرة لم يجز وإن قلنا تضمين جاز على الأصح كما في الزكاة ويجري الخلاف فيما لو أراد العامل تضمين المالك بالخرص‏.‏

 فصل إذا انقطع ماء البستان وأمكن رده

ففي تكليف المالك السعي فيه وجهان أحدهما لا كما لا يكلف الشريك العمارة ولا المكري والثاني يكلف لأنه لا يتمكن من العمل إلا به فأشبه ما لو استأجره لقصاة ثوب بعينه يكلف تسليمه فعلى هذا لو لم يسع في رده لزمه للعامل أجرة عمله ولو لم يمكن رد الماء فهو كما لو تلفت الثمار بجائحة‏.‏

قلت أصحهما لا يكلف والله أعلم‏.‏

 فصل السواقط

وهي السعف التي تسقط من النخل يختص بها المالك وما يتبع الثمن فهو بينهما قال الشيخ أبو حامد ومنه الشماريخ‏.‏

 فصل دفع بهيمة إليه ليعمل عليها

وما رزق الله تعالى فهو بينهما فالعقد فاسد ولو قال تعهد هذه الغنم بشرط أن درها ونسلها بيننا فباطل أيضاً لأن النماء لا يحصل بعمله ولو قال اعلف هذه من عندك ولك نصف درها ففعل وجب بدل النصف على صاحب الشاة والقدر المشروط من الدر لصاحب العلف مضمون في يده لحصوله بحكم بيع فاسد والشاة غير مضمونة لأنها غير مقابلة بالعوض ولو قال خذ هذه واعلفها لتسمن ولك نصفها ففعل فالقدر المشروط منها لصاحب العلف مضمون عليه دون الباقي‏.‏

 فصل قال المتولي إذا كانت المساقاة في الذمة

فللعامل أن يعامل غيره لينوب عنه ثم إن شرط له من الثمار مثل ما شرط المالك له أو دونه فذاك وإن شرط له أكثر فعلى الخلاف في تفريق الصفقة فإن جوزناه وجب للزيادة أجرة المثل وإن منعناه فالأجرة للجميع وإن كانت المساقاة على عينه لم يكن له أن يستنيب ويعامل غيره فلو فعل انفسخت المساقاة بتركه العمل وكانت الثمار كلها للمالك ولا شيء للعامل الأول وأما الثاني فان علم فساد العقد فلا شيء له وإلا ففي استحقاقه أجرة المثل الخلاف في خروج الثمار مستحقة‏.‏

 فصل بيع الحديقة التي ساقى عليها

في المدة يشبه بيع العين المستأجرة ولم أر له ذكراً لكن في فتاوى البغوي أن المالك إن باعها قبل خروج الثمرة لم يصح لأن للعامل حقاً في ثمارها فكأنه استثنى بعض الثمرة وإن كان بعد خروج الثمرة صح البيع في الأشجار ونصيب المالك من الثمار ولا حاجة إلى شرط القطع لأنها مبيعة مع الأصول ويكون العامل مع المشتري كما كان مع البائع وإن باع نصيبه من الثمرة وحدها لم يصح للحاجة إلى شرط القطع وتعذره في الشائع‏.‏

قلت هذا الذي قاله البغوي حسن وهذه المسألة لم يذكرها الرافعي هنا بل في آخر كتاب الإجارة والله أعلم‏.‏

 باب المزارعة والمخابرة

قال بعض الأصحاب هما بمعنى والصحيح وظاهر نص الشافعي رضي الله عنه أنهما عقدان مختلفان‏.‏

فالمخابرة هي المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها والبذر من العامل‏.‏

والمزارعة مثلها إلا أن البذر من المالك وقد يقال المخابرة اكتراء الأرض ببعض ما يخرج منها والمزارعة اكتراء العامل لزرع الأرض ببعض ما يخرج منها والمعنى لا يختلف‏.‏

قلت هذا الذي صححه الإمام الرافعي هو الصواب وأما قول صاحب البيان قال أكثر أصحابنا هما بمعنى فلا يوافق عليه فنبهت عليه لئلا يغتر به والله أعلم‏.‏

قلت قد قال بجواز المزارعة والمخابرة من كبار أصحابنا أيضاً ابن خزيمة وابن المنذر والخطابي وصنف فيها ابن خزيمة جزءاً وبين فيه علل الأحاديث الواردة بالنهي عنها وجمع بين أحاديث الباب ثم تابعه الخطابي وقال ضعف أحمد ابن حنبل حديث النهي وقال هو مضطرب كثير الألوان قال الخطابي وأبطلها مالك وأبو حنيفة و الشافعي رضي الله عنهم لأنهم لم يقفوا على علته قال فالمزارعة جائزة وهي عمل المسلمين في جميع الأمصار لا يبطل العمل بها أحد هذا كلام الخطابي‏.‏

والمختار جواز المزارعة والمخابرة وتأويل الأحاديث على ما إذا شرط أحدهما زرع قطعة معينة والآخر أخرى والمعروف في المذهب إبطالهما وعليه تفريع مسائل الباب والله أعلم‏.‏

فمتى أفردت الأرض لمخابرة أو مزارعة بطل العقد فإن كان البذر للمالك فالغلة له وللعامل أجرة مثل عمله وأجرة البقر والآلات إن كانت له وإن كان البذر للعامل فالغلة له ولمالك الأرض عليه أجرة مثلها وإن كان لهما فالغلة لهما ولكل واحد على الآخر أجرة مثل ما انصرف من منافعه إلى حصة صاحبه وإذا أرادا أن يكون الزرع بينهما على وجه مشروع بحيث لا يرجع أحدهما على الآخر بشيء نظر إن كان البذر بينهما والأرض لأحدهما والعمل والآلات للآخر فلهما ثلاث طرق‏.‏

أحدها قاله الشافعي رضي الله عنه يعير صاحب الأرض للعامل نصفها ويتبرع العامل بمنفعة بدنه وآلاته لأنه مما يختص صاحب الأرض‏.‏

الثاني قاله المزني يكري صاحب الأرض للعامل نصفها بدينار مثلا ويكتري العامل ليعمل على نصيبه بنفسه وآلاته بدينار ويتقاصان‏.‏

الثالث قاله الأصحاب يكريه نصف أرضه بنصف منافع العامل وآلاته وهذا أحوطها‏.‏

وإن كان البذر لأحدهما فإن كان لصاحب الأرض أقرض نصفه للعامل وأكراه نصف الأرض بنصف عمله ونصف منافع آلاته ولا شيء لأحدهما على الآخر إلا رد العوض وإن شاء استأجر العامل بنصف البذر ليزرع له النصف الآخر وأعاره نصف الأرض وإن شاء استأجره بنصف البذر ونصف منفعة تلك الأرض ليزرع باقي البذر في باقي الأرض وإن كان الندر للعامل فان شاء أقرض نصفه لصاحب الأرض واكترى منه نصفها بنصف عمله وعمل آلاته وإن شاء اكترى نصف الأرض بنصف البذر وتبرع بعمله ومنافع آلاته وإن شاء اكترى منه نصف الأرض بنصف البذر ونصف عمله ومنافع آلاته‏.‏

ولا بد في هذه الإجارات من رعاية الشرائط كرؤية الأرض والآلات وتقدير المدة وغيرها هذا كله إذا أفردت الأرض بالعقد أما إذا كان بين النخيل بياض فتجوز المزارعة عليه مع المساقاة على النخيل ويشترط فيه اتحاد العامل فلا يجوز أن يساقي واحداً ويزارع آخر ويشترط أيضاً تعذر إفراد النخيل بالسقي والأرض بالعمارة لانتفاع النخل بسقي الأرض وتقليبها فإن أمكن الأفراد لم تجز المزارعة‏.‏

واختلفوا في اعتبار أمور‏.‏

أحدها اتحاد الصفقة فلفظ المعاملة يشمل المزارعة والمساقاة فلو قال عاملتك على هذا النخيل والبياض بالنصف كفى وأما لفظ المساقاة والمزارعة فلا يغني أحدهما عن الآخر بل يساقي على النخيل ويزارع على البياض وحينئذ إن قدم المساقاة نظر إن أتى بهما على الاتصال فقد اتحدت الصفقة ووجد الشرط وإن فصل بينهما فقيل تصح المزارعة لحصولهما لشخص والأصح المنع لأنها تبع فلا تفرد كالأجنبي وإن قدم المزارعة فسدت على الصحيح لأنها تابعة وقيل تنعقد موقوفة فإن ساقاه بعدها بانت صحتها وإلا فلا‏.‏

الثاني لو شرط للعامل نصف الثمر وربع الزرع جاز على الأصح وقيل يشترط التساوي لأن التفضيل يزيل التبعية‏.‏

الثالث لو كثر البياض المتخلل مع عسر الإفراد فقيل يبطل لأن الأكثر متبوع لا تابع والأصح الجواز للحاجة ثم النظر في الكثرة إلى زيادة النماء أم إلى مساحة البياض ومغارس الشجر قلت أصحهما الثاني والله أعلم‏.‏

الرابع لو شرطا كون البذر من العامل فهي مخابرة فقيل تجوز تبعاً للمساقاة كالمزارعة والأصح المنع لأن الحديث ورد في المزارعة تبعاً في قصة خيبر دون المخابرة ولأن المزارعة أشبه بالمساقاة لأنه لا يتوظف على العامل فيهما إلا العمل فلو شرط أن يكون البذر من المالك والبقر من العامل أو عكسه قال أبو عاصم العبادي فيه وجهان أصحهما الجواز إذا شرط البذر على المالك لأنه الأصل فكأنه اكترى العامل وبقره قال فان جوزنا فيما إذا شرط البقر على المالك والبذر على العامل نظر فان شرط التبن والحب بينهما جاز وكذا لو شرط الحب بينهما والتبن لأحدهما لاشتراكهما في المقصود فإن شرط التبن لصاحب الثور وهو مالك الأرض وشرط الحب للآخر لم يجز لأن المالك هو الأصل فلا يمنع المقصود وإن شرطا التبن لصاحب البذر وهو العامل فوجهان وقيل لا يجوز شرط الحب لأحدهما والتبن للآخر أصلا واعلم أنهم أطلقوا القول في المخابرة بوجوب أجرة مثل الأرض لكن في فتاوى القفال والتهذيب وغيرهما أنه لو دفع أرضاً إلى رجل ليغرس أو يبني أو يزرع فيها من عنده على أن يكون بينهما مناصفة فالحاصل للعامل وفيما يلزمه من أجيرة الأرض وجهان أحدهما نصفها لأنه غرس نصف الغرس لصاحب الأرض بإذنه فقد رضي ببطلان منفعة النصف وأصحهما جميعها لأنه إنما رضي ليحصل له نصف الغراس فإذا إطلاقهم في المخابرة تفريع على الأصح ثم العامل يكلف نقل البناء والغراس إن لم تنقص قيمتهما وإن نقصت لم يقلع مجاناً للإذن بل يتخير مالك الأرض فيهما تخير المعير والزرع يبقى إلى الحصاد ولو زرع العامل البياض بين النخيل من غير إذن قلع زرعه مجاناً وإذا لم نجوز المساقاة على ما سوى النخيل والعنب من الشجر المثمر منفرداً ففي جوازها تبعاً للمساقاة كالمزارعة وجهان‏.‏

قلت أصحهما الجواز والله أعلم‏.‏